مشكلات القرن الحادي والعشرين: رؤية مستقبلية

أ.د. أحمد يوسف الزعبي
مستشار معماري وخبير في التصميم والتخطيط الحضري

العالم يتغير ولم يعد بمقدور الإنسان أن يتجنب القلق بشأن مجموعة من المشكلات التي باتت تشكل هماً إنسانياً يتشاركه الجميع في هذا العالم في القرن الحادي والعشرين، وتأتي مشكلات الإرهابوالتغير المناخيوالصعود المتسارع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وخوارزميات الذكاء بأشكاله المختلفه، وانتهاك الخصوصيات، والضعف الواضح في أمور التعاون العالمي في مقدمة تلك المشكلات؛ لكن ثمة الكثير من المشكلات الأخرى التي قد يغفل عنها الكثيرون لأنها لا تمثّل حتى الآن، ربما، مخاطر جدية بات يستشعرها الإنسان في حياته اليومية.

ويضع كتاب (21 درساً للقرن الحادي والعشرين)،لمؤلفه (يوفال هراري)،إطاراً عاماً لمواجهة هذه المشكلات والمخاوف التي تواجهنا في القرن الحالي، ويرى أن التعامل الأفضل معها لا يكون بنكرانها بل بالاختيار الحكيم لما يستحق التفكّر فيه منها أولاً، ثم في تحديد مقدار القلق الواجب إزاءها ثانياً. 

ويتساءل المؤلف في مقدمة كتابه "ماهي التحديات الأعظم والتغيرات المهمة التي تواجهنا اليوم؟، وما الذي ينبغي أن نهتم بشأنه من تلك التحديات؟ وما الذي ينبغي أن نعلّمه لأطفالنا؟".

ويتألفالكتاب إلى جانب مقدمته المهمة، من خمسة أقسام، متبوعة بعناوين فرعية ذات دلالة هامة، هي: (1) التحدي التقني ويتناول: التحرر من الوهم، العمل، الحرية، المساواة. (2) التحدي السياسي ويتناول: الجماعة البشرية، الحضارة، القومية، الدين، الهجرة. (3) اليأس والأمل ويتناول: الإرهاب، الحرب، التواضع، الإله، العلمانية.(4) الحقيقة ويتناول: النكران، العدالة، ما بعد الحقيقة، الخيال العلمي. ويختم المؤلف كتابه بعنوان هو (5) المرونة والقدرة على التكيف في أشكال جديدة ويتناول: التعليم، المعنى، التأمّل.

وقد قام المؤلف بجعل الموضوعات العالمية تتضافر مع المنابع الشخصية في إطار هيكل واضح لصورة العالم، حيث كتب في مقدمته للكتاب:"مع أنّ هذا الكتاب يتخذ منظوراً عالميّ الأبعاد لكني لا أطرح المستوى الشخصي جانباً، بل على النقيض أنا أسعى للتأكيد على الروابط المتينة بين ثورات عصرنا والحيوات الفردية للكائنات البشرية". 

"الإرهاب، على سبيل المثال، هو مشكلة سياسية عالمية بمثل ما هو آلية سيكولوجية ذاتية، والذي يعمل من خلال الضغط على زرّ الخوف الماكث عميقاً في عقولنا، ومن ثمّ اختطاف الخيال البشري الخلاق للملايين من الأشخاص والاستحواذ عليه وتوجيهه نحو وجهات شريرة، والحال مشابه مع الديمقراطية الليبرالية التي تجري ممارستها لا في أروقة البرلمانات ومحطّات الاقتراع فحسب، بل أيضاً على نطاق العصبونات والوصلات العصبية البشرية".

ويبقى السؤال الذي طرحه المؤلف بعد كلّ هذه الفتوحات العالمية في ميادين العلم والتقنية، لماذا يبدو الأمر وكأنّ العالم في حالة تراجع وانكفاء؟ ويجيب على هذا التساؤل الجوهري:"بأنّ السبب يكمن في أننا لم نعُد نطيق أبداً أدنى مظاهر البؤس والشقاء بالمقارنة مع ما كان سائداً قبل عقود خلت، ومع أنّ حجم العنف السائد في العالم أصابه تراجع عظيم، على غير ما يتوقع كثيرون، فإننا لا نزال نوجّه أبصارنا نحو هؤلاء الذين يموتون كلّ سنة بسبب الحروب لأنّ غضبنا أزاء مشاهد اللاعدالة والظلم قد نما نمواً غير مسبوق، وتلك مزية أخلاقياتية عظمى يتغافلها الكثيرون نتيجة سوء فهم مزمن وإدراك قاصر يعجز عن رؤية الصورة العالمية في إطارها الشمولي".

ويبقى القول بأن لا أحد يعرف كيف يمكن التعامل مع المشكلات في القرن الحالي مع إقتراب سكان العالم من 10 مليارات نسمة،إلا أن هناك عدد من الدراسات التي وضعت بعض الحلول والرؤى المستقبلية لذلك، كما حاول عدد من الخبراء والباحثين أن يضعوا بعض التصورات المستقبلية لذلك على شكل أيديولوجيات فكرية وسياسية مثل القومية والليبراليةوغيرها، لكنها غير قادرة على تهيئتنا لما سيحدث في الثمانين سنة المقبلة، فثورة التكنولوجيا الجديدة والتغير المناخي قد يتضافرا لصنع عالم يختلف عن كل ما يمكن أن نتخيله.

12-حزيران-2019 12:31 م

نبذة عن الكاتب